تعد ظاهرة سرقة الدراجات النارية من التحديات التي تواجه وزارة الداخلية بحكومة الإنقاذ السورية لعدة أسباب؛ منها زيادة أعداد الدراجات النارية في المناطق المحررة، ووضعها من قبل سائقيها بمكان يسهل على ضعاف النفوس سرقتها، بالإضافة لوضع عدد كبير منها في مداخل البنايات أو أمام المحال التجارية والأسواق، الأمر الذي يسهل على اللصوص سرقتها بسبب صعوبة الاشتباه بهم حتى ولو رآه أحد المارة يجرها، ولعل المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ في وسائل التواصل الاجتماعي أشخاصا ينشرون صورا لدراجاتهم المسروقة ويطلبون من الناس بحال التعرف عليها أو مشاهدتها التواصل معهم، ولكن نادرا ما تعود الدراجة لصاحبها لسهولة تصريفها وتغيير معالمها بوقت قصير، علما أن وزارة الداخلية تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها بالإضافة لوكالة أنباء الشام بشكل مستمر عمليات قبض على عدد من السارقين في إطار الحد من هذه الظاهرة قدر المستطاع.
– خسارة وسيلة النقل الوحيدة لمعظم الأهالي
يعتمد معظم سكان المناطق المحررة على الدراجة النارية كوسيلة نقل يقضون بها حوائجهم ومستلزمات بيوتهم، ولكن لربما يستفيق أحدهم بأحد الأيام ولا يجدها فتبدأ رحلة معاناته حتى يتمكن من إعادة شراء واحدة أخرى أو ترجع له الدراجة من خلال المخافر الشرطية، فهذا “نادر الشاطر” نازح من دير الزور إلى مدينة إدلب، بدأ رحلة شقاء منذ يومين بعد أن أقدم سارق على كسر قفل دراجته في مدخل البناية في شارع الثلاثين وسرقتها -حسب وصفه- وأضاف: “لدي عمل شبه يومي في المدينة وأنا أسكن في منطقة ريفية تبعد عن مركز المحافظة قرابة 20 كم، وضعت دراجتي مساء في مدخل البناية ثم خرجت بعد قليل لشراء بعض الحاجيات فلم أجدها، أدركت مباشرة أنها قد ذهبت في مهب الريح واليوم أجد عناء شديد في الذهاب والإياب ما بين عملي وبيتي”، فيما اعترف “طلال العيد” من الغوطة الشرقية بخطئه الذي أدى لسرقة الدراجة النارية الخاصة به، بسبب ترك الآلية بدون قفل في مدخل البناية، ما سهل على اللصوص سرقتها وهو محتار كيف سيشتري واحدة أخرى في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وبأسلوب فكاهي شرح لنا “أبو عزام الحوراني” كيف سرقت دراجته من أمامه دون أن يستطيع فعل شيء عندما دخل صديقة للبيت في منطقة الضبيط بمدينة إدلب وبدأ أحدهم بمحاولة تشغيل الدراجة فقال له صديقه: “كأنه يريد أحد ما سرقة دراجتك” فأجابه:” إن الدراجة مقفولة ونحن بمنتصف النهار ومن غير المعقول سرقتها من تحت النافذة”، ولكن لسوء حظه عندما أراد الخروج والذهاب للبيت خرج ثم عاد مسرعا ليخبر أصدقاءه بأن اللص سرقها من أمام أعينهم، ووضح لنا كيف أمضى وقتا طويلا ليتمكن أخيرا من شراء الدراجة لتعينه على قساوة التهجير.
وبنفس السياق يستغرب الشاب “مصطفى” من مدينة أرمناز كيف رأى اللص يسرق الدراجة صاعدا إليها فصاح به لكنه أسرع وشغلها وهرب بعيدا، حاول “مصطفى” اللحاق به ولكن دون جدوى.
أما “مصطفى الحمصي” يقول بينما كنت ذاهبا إلى عملي وصلت لمدخل البناية فإذا بشاب واقف على دراجة ويبدو على وجهه الارتباك فقلت له ماذا تفعل فأسرع هاربا تاركا خلفه أكثر من خمسين مفتاحا لأنواع عديدة من الدراجات النارية.
– المخافر التابعة لوزارة الداخلية تقبض على عدد من سارقي الدراجات النارية
استطاعت المخافر الحكومية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية إلقاء القبض على عدد من سارقي الدراجات النارية، حيث أوقف مخفر شرطة كورين في وقت سابق أثناء تجوال عناصره في بلدة “المسطومة” سارقين وهما (ش،ع) و(م،م) بحوزتهما أثاث منزلي مسروق، ومن خلال التحقيق معهما اعترفا بسرقة 9 دراجات نارية من عدة مدن وبلدات من بينها إدلب المدينة، سرمدا، الدانا، أطمة، ترمانيين، وبيعت بمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي، بحسب رئيس المخفر المساعد “خالد الخلف”.
وفي سياق متصل ألقى مخفر شرطة “بنش” القبض على سارق دراجات نارية، وأكد رئيس المخفر المساعد أول “محمود العبسي” أنه أثناء تجوال إحدى دورياتهم في المدينة اشتبهوا بشخص يجر دراجة فقبضوا عليه وبالتحقيق معه اعترف بالجرم المسند إليه، وأضاف “العبسي”: بالتوسع بالتحقيق أقر بسرقة 9 دراجات نارية من مناطق كللي، وحزانو، ومعرة مصرين، ونوه رئيس المخفر إلى أنهم أعادوا عددا من الدراجات النارية فيما تصرف السارق بالباقي.
وبنفس السياق قبض مخفر شرطة قاح على سارق 124 دراجة نارية، وصرح رئيس المخفر “عامر قسوم” لأنباء الشام قائلا: “بعد ورود عدة شكاوى من سكان المخيمات حول سرقة دراجاتهم النارية بدأنا البحث والتحري، وتمكنا من القبض على 3 اشخاص مشتبه بهم، وبالتحقيق معهم اعترفوا بسرقة 124 دراجة نارية من مناطق متفرقة خلال عام واحد، وأضاف “القسوم” أن السرقات تركزت في عقربات، كفرلوسين، مخيمات أطمة، بلدة أطمة، قاح ومخيماتها، ودير حسان.
– بمشاركة عدد من اللصوص 242 دراجة تمت سرقتها
أما العملية الأكبر كانت لأحد مخافر الوزارة فقد تكررت مواضيع السرقات، وتمكن مخفر شرطة قاح بعد عمليات بحث وتحر مكثفة من القبض على شخص سرق عددا كبيرا من الدراجات النارية، وقال رئيس المخفر “عامر قسوم”: خلال متابعتنا لشخص متهم بسرقة دراجات نارية في مخيمات قاح وبعد ورود معلومات بوجوده في بيته شكلنا دورية مشتركة مع مخفر أطمة وتوجهنا إليه وقبضنا عليه مختبئا في بيته بحفرة جهزها في وقت سابق، وبالتحقيق معه اعترف بسرقة 242 دراجة نارية على مدار أربعة سنوات بالاشتراك مع 12 شخصا وشملت السرقة مناطق حارم، إدلب، الدانا، دير حسان، سرمدا، بنش، المخيمات، أسواق الأغنام، وصرف اللص عدداً كبيراً من الدراجات المسروقة من خلال بيعها لأشخاص أو بيعها بمناطق ثانية.
– النزوح والتهجير ودورهما السلبي
بعد حملات النظام والروس والإيرانيين على الأهالي في المناطق المحررة اضطر مئات الآلاف للتهجير القسري والنزوح هربا من بطش العصابات المجرمة، فسبّب توافد الناس للمناطق المحررة كثافة سكانية كبيرة، فتلك القرية الصغيرة التي يصل عدد سكانها سابقا لنحو 3 آلاف نسمة يسكن فيها اليوم ما يقارب الـ 10 آلاف نسمة، وكل ذلك جعل الحمل ثقيلا على المسؤولين في المناطق المحررة، فلم تعد المراكز الخدمية الموجودة سابقا تكفي اليوم الأهالي الموجودين، فعلى سبيل المثال فعلت وزارة الداخلية عددا من المخافر في بعض القرى والبلدات لم تكن موجودة في السابق كمخفر كللي، وإسقاط، وكورين، وحربنوش، وغيرها الكثير بسبب الحاجة الملحة لها، ناهيك عن المخافر التي فعلت في المخيمات الممتدة على طول الحدود السورية التركية، بحسب ما نشرته وكالة أنباء الشام لافتتاح بعض المخافر هنا أو هناك.
– أين الحل؟
موضوع سرقة الدراجات النارية أمر ليس بجديد وازدياد هذه الظاهرة في ظل ظروف الحرب أمر طبيعي، فمن خلال تقاطع بعض الآراء لعدد من الأهالي خلال سؤالنا لهم حول سارقي الدراجات النارية، فوجدنا أن هناك أسبابا اجتماعية تتمثل في البيئة المتوفرة للصوص فلم يعد يخشى اللص على سمعته كثيرا أو حتى سمعة أبنائه وخاصة في ظل سهولة تحركه وانتقاله من منطقة لأخرى، كما كان للعامل الاقتصادي وضعفه أثره السلبي على الوضع المعيشي للناس، فلجأ ضعاف النفوس لسرقة الدراجات النارية وغيرها دون العناء في البحث عن الرزق الحلال، وبالمقابل يوجد عدد من اللصوص يمتهنون السرقة دون حاجتهم لها بل حتى إن وجد العمل والمال إلا أنهم يفضلون السرقة، ولعل من الحلول الجيدة محاربة الجهل وتوعية الأهالي بضرورة التحاق ابنائهم بالمدارس وعدم التسرب منها، ولوزارة الأوقاف الدور الكبير في ذلك من خلال الدروس الدعوية وتوعية الشباب سواء من خلال خطب الجمعة أو في الدروس الشرعية وغيرها، ناهيك عن توعية الناس بضرورة حفظ ممتلكاتهم جيدا وعدم وضعها عرضة للسرقة، أضف لذلك ضرورة ترسيم الآليات بمختلف أنواعها حتى الدراجات النارية وهذا يسهل على الشرطة معرفة ملكية هذه الدراجة أو تلك بأي لحظة، وبذلك تزداد المهمة صعوبة على السارق لصعوبة تصريف بضاعته، وتوجد بعض الحلول لكنها غير مجدية للجميع وهي استئجار محال لعدد من الأهالي ووضع دراجاتهم فيها، وفي النهاية الأمر يتطلب توعية ثقافية وأخلاقية ودينية للقضاء على هذه الظاهرة.