شهدت السنوات الأولى للثورة غياباً تاماً لأي جهة تنظم العمل المؤسساتي وترعى مصالح الأهالي على امتداد المناطق المحررة، فبادر أبناؤها بالعمل على قيام كيان يهتم بالخدمات ويعيد تفعيل مؤسسات الدولة، ويضبط وينظم العلاقة بين مختلف الجهات وبين المواطنين، وبناءً على ذلك أسست فعاليات مدنية وثورية وأكاديمية من مختلف المناطق المحررة حكومة الإنقاذ.
ويرى مراقبون أن غياب الدعم وقلة الموارد المالية والاقتصادية، هي العثرة الأكبر لنجاح هذه الحكومة الناشئة، وخاصة أن المنطقة لا تملك النفط والغاز أو مشتقاتهما، وبالتالي اعتمادها على ما يشترى من مناطق “قسد”، بالإضافة لقلة الإنتاج الصناعي والمعامل الصناعية الكبيرة، لتبقى الزراعة هي المورد الأكبر والتي لا يمكن أن تفي بحاجات الأهالي والنهوض بهذه الحكومة.
بعد مرور سنتين على إعلان قيام الحكومة، كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن فرض ضرائب كثيرة من قبل الحكومة، إلى حد إطلاق البعض عليها اسم “حكومة الضرائب”، فما هي حقيقة هذه التسمية؟ وهل فعلاً تفرض الحكومة الضرائب على المواطنين؟
يعرف المختصون وأهل العلم
الضريبة بأنها “فرض قيم مالية على التجار والشركات لقاء الدخل المالي لهم”، وعلى هذا يمكن القياس ومعرفة حقيقة هذه التسمية من عدمها.
»ضرائب أم رسوم لقاء تقديم خدمات
يشتكي عدد من أهالي مدينة إدلب مما أسموه “ضرائب” تفرض عليهم في مختلف مناح الحياة، أبو محمد وهو أحد سكان حي الثورة تحدث عن وجود “ضرائب” على كل ما تقدمه الحكومة من خدمات، وهو ما أكده أبو سمير ابن حي الضبيط، الأمر الذي نفاه نائب رئيس الحكومة وزير الإدارة المحلية المهندس “مؤيد الحسن” مؤكداً أن الحكومة لا تأخذ أية ضريبة، “إنما رسوم مقابل خدمات عامة تقدم للمواطنين، اذ لا يمكن لهذه الخدمات أن تنجز من تلقاء ذاتها أو يقوم بها المواطنون وهذا حال كل الدول”.
الحكومة لا تأخذ أية ضريبة، “إنما رسوم مقابل خدمات عامة تقدم للمواطنين، اذ لا يمكن لهذه الخدمات أن تنجز من تلقاء ذاتها
وتستمر رحلة البحث عن “الضرائب” التي تفرضها حكومة الإنقاذ عبر مؤسساتها، لنحط رحالنا في المنطقة الصناعية بإدلب المدينة، حيث تحدث أبو فاضل الذي يملك ورشة لإصلاح السيارات عن “ضرائب” على بعض المحلات كانت مفروضة في زمن سيطرة عصابات الأسد على المدينة، وجاءت حكومة الإنقاذ وبقيت على حالها، الأمر الذي استدعى البحث والاستفسار أكثر، حيث أن هذه “الضريبة” كما تحدث “أبو فاضل” تؤخذ من محلات دون أخرى، فجاء الجواب من رئيس مجلس مدينة إدلب الأستاذ “عبدالقادر هرموش”، حيث وضح أن هذه المحلات في المنطقة الصناعية هي “ملك للبلدية ومؤجرة للشاغلين حاليا وبأسعار رخيصة جدا مقارنة بإجرة المثل للمحلات الخاصة التي تجاورها”، وأشار إلى أن شاغليها لم يدفعوا أجرة المحلات منذ عام ٢٠١٥م، وأضاف “قامت البلدية بتبليغ الشاغلين للمحلات بضرورة دفع ما يترتب عليهم وأصدرت قراراً بإعفائهم عن سنة ٢٠١٥م، وتقسيط المبالغ المترتبة على دفعات نظراً للظروف الصعبة التي يمر بها المحرر”.
»بلدية إدلب تفرض مبالغ على بيوت لبلدية النظام..
أما قضية تحصيل بقية ثمن بيوت أنشأتها بلدية إدلب قبيل الثورة وباعتها للأهالي في المدينة، فقد أثارت الحديث أكثر فأكثر عن حكومة الإنقاذ، حيث تحدث عدد من الأهالي عن أخذ ما تبقى من مبالغ على هذه المنازل، معتبرين أنها “ضرائب دون وجه حق”، الأمر نفاه مسؤول في بلدية مدينة إدلب، الذي وضح أن البلدية مؤسسة تقدم خدمات، وهي “قائمة منذ عهد النظام وما زالت قائمة تؤدي خدماتها وقيودها وأوراقها محفوظة كاملة”.
وأضاف “ قامت البلدية قبل الثورة باستملاك أجزاء من عقارات محاذية لأحد الطرق من أجل توسعته، وهذا يتطلب هدم بعض المنازل القديمة أو أجزاء منها” وبين أنها بنت مشروعاً سكنيا لتأمين البديل لأصحاب المنازل المهدومة، “وسلمت المالكين والمستأجرين منازل بديلة وثمنه يدفع على أقساط”، وذكر أن البعض التزم وقسم كبير منهم لم يلتزم علماً أن البلدية سلمت الشقق الجديدة لأصحابها ورصدت التعويضات بدل الاستملاك -بحسب المسؤول في البلدية-.
»ضرائب المياه والكهرباء والنظافة والعقارات.. ما حقيقتها؟
من الخدمات التي تقوم حكومة الإنقاذ برعايتها إيصال المياه عبر الشبكات، وذلك ممثلاً بالمؤسسة العامة للمياه، إلا أنه اشتكى عدد من الأهالي عن وجود “ضريبة” تؤخذ على هذه الخدمة، معللين تسميتها ضريبة “ أن منظمة غوول تتكفل بدعم هذه الخدمة وإيصالها للمنازل مجاناً”.
ولدى توجيه السؤال إلى مدير مؤسسة المياه المهندس محمد جمال ديبان أجاب: “بالنسبة لرسم المياه المفروض في مدينة إدلب وقدره ٥٠٠ ل.س فقط، ومنظمة “غوول” تقدم المحروقات ورواتب لبعض الموظفين وصيانات لمحطتي سيجر والعرشاني”.
وأضاف المهندس ديبان “هناك صيانات أخرى على خطوط الشبكة الرئيسية والفرعية، وكذلك ثمن القطع التبديلية وثمن محروقات للآليات، حيث تقوم المؤسسة في كثير من الأحيان بتقديم قطع التبديل من مستودعها من أجل تنفيذ الصيانة بالسرعة القصوى، حيث أن المنظمة لو أرادت إصلاح هذه المشاكل سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وذلك بسبب طبيعة عملها التي تحتاج إلى التواصل مع الخارج والاستيراد من تركيا”.
أما بالنسبة للنظافة فتحدث عدد من الأهالي في الدانا وسرمدا وإدلب وغيرها عن وجود “ضريبة نظافة”، وذكر مدير الخدمات الفنية بوزارة الإدارة المحلية والخدمات المهندس “قتيبة الخلف” أن “رسم النظافة قدره ٢٠٠ ل.س على المنزل، و١٠٠٠ ل.س على المحل، وتبلغ القمامة المرحّلة يومياً في مدينة إدلب فقط بحدود ١٦٠ طن وعدد عمال النظافة بحدود ١٠٠ عامل و٤ سيارات ضواغط مع جرارين”.
ووضح “الخلف” أن المبلغ المالي المجبى من رسم النظافة لا يكفي لمصاريف النظافة التي تصرفها الوزارة.
أما في مديرية المصالح العقارية فتحدث عدد من المراجعين عن وجود “ضرائب” أثناء تسيير معاملاتهم، الأمر أوضحه الأستاذ “عبد الباسط قيراطة” مدير المصالح العقارية قائلاً: “لا يوجد ضرائب في مديرية المصالح العقارية، وإنما هي رسوم عقارية تؤخذ مقابل الخدمات العقارية المقدمة، كالبيانات العقارية والمساحية وسندات التمليك والإفراز وتحديد الحدود العقارية، وهذه الخدمات تتطلب موظفين قائمين على رأس عملهم من أهل الخبرة، وكذلك مستودعات لحفظ الوثائق العقارية والمساحية”.
على صعيد الكهرباء تحدث “محمد الأحمد” من مدينة إدلب، و“عمار الحسن” من مدينة بنش بريف إدلب الشرقي، عن وجود ضريبة تفرض على الأمبيرات، وعلى العدادات العاملة في المنطقة الصناعية لصالح مؤسسة الكهرباء، الأمر الذي نفاه مدير شركة كهرباء إدلب الأستاذ “سعيد الشمالي” مشيراً إلى أن المولدات التي تعمل بالأمبيرات يتعلق سعرها بسعر المحروقات، أما بالنسبة للمولدات التي تعمل في المناطق الصناعية والتي تتطلب تشغيل المولدات نهاراً، فإنها تعمل بنظام كيلو واط ساعي اي بنظام العداد، فإن التسعيرة أتت “بناء على طلب الصناعيين وهو أرخص من نظام الأمبيرات”.
»حقيقة ضرائب معبر باب الهوى.. وأين تصرف وارداته؟
يعد معبر باب الهوى الشريان الأبهر للمحرر، حيث تدخل يومياً عشرات السيارات المحملة بالبضائع والإغاثة للمناطق المحررة، وهو ما دفع كثيرًا من أبناء المناطق المحررة للسؤال عن وارداته، والرسوم التي تؤخذ من الشاحنات التجارية، وأين تصرف؟، حتى ذهب البعض لتسمية هذه الرسوم “بالضرائب”، وهو ما وضحه وزير الاقتصاد المهندس “محمد الأحمد” قائلاً: “بالنسبة للمعبر الرسوم المفروضة تعتبر رسوم رمزية مقارنة بالرسوم المفروضة في أي معبر أو منفذ حدودي في جميع الدول”،
بالنسبة للمعبر الرسوم المفروضة تعتبر رسوم رمزية مقارنة بالرسوم المفروضة في أي معبر أو منفذ حدودي في جميع الدول
وبين الوزير أن هذه الرسوم تدفع “أجوراً لأكثر من ٨٠٠ عامل ضمن المعبر، إضافة لتطوير أجهزة المعبر ومخابره التي تقوم بفحص المواد الداخلة والخارجة”.
مؤكداً أن جزءا كبيرا من الرسوم يصرف على خدمات المناطق المحررة كتعبيد الطرق وتجهيز المدارس، وقسم آخر يذهب لدعم قطاع التربية والتعليم العالي.
جزءا كبيرا من الرسوم يصرف على خدمات المناطق المحررة كتعبيد الطرق وتجهيز المدارس، وقسم آخر يذهب لدعم قطاع التربية والتعليم العالي