صحيفة نبض المحرر

ما بين إقامة الفرض وحظ النفس.. الزكاة تجبى في المحرر

تعتبر الزكاة من العبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على فئات من عباده، وبها يتكافل المسلمون مع بعضهم، حيث أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، ما يحافظ على المجتمع المسلم قويا متماسكا، ويشد أبناؤه أزر بعضهم البعض، وبهذا تزداد الإلفة والمحبة بين أهل المحرر لتكون سبيلا للنصر على المتربصين والأعداء.

أُسس منذ عدة شهور كيان لأجل إحياء هذه الفريضة وتطبيقها وفق أصول الشريعة، بحسب القائمين على المشروع، ألا وهو الهيئة العامة للزكاة، ليترافق ذلك مع حالة من الأخذ والجذب بين أهالي المحرر، فمن معترض معتبرا أن الوقت ليس وقت زكاة وخاصة في وقت يهاجم الاحتلال الروسي المنطقة بكل قوته، لآخر مؤيد لهذا المشروع الذي أصله فرض من الله عز وجل، إلى ذاك الفقير الذي ينتظر ما يعينه على نوائب الدهر، ما دفعنا للخوض في تفاصيل هذا الملف الشائك.

»جمع الزكاة وتوزيعها لا يعطل بغياب إمام للمسلمين..

بدأ جمع الزكاة من قبل الهيئة العامة للزكاة في شهر رمضان لعام ١٤٤٠ هجرية، حيث كان الأمر في بادئه عن طريق زيارة التجار وأصحاب المحلات التجارية والمشاريع الصناعية، وحثهم على دفع زكاة أموالهم عن طريق الهيئة، وهو ما دفع التجار وأصحاب الأموال للسؤال عن هذه الهيئة، من هي؟ ومن خولها بجمع الأموال؟ وأين ستذهب زكاتهم التي يدفعونها لها؟ وما مدى استقلاليتها؟ وهل هي مصدر موثوق؟

أوضح رئيس دائرة المستحقين في الهيئة الأستاذ “عبد العزيز منصور” أن: “الهيئة العامة للزكاة انبثقت من رحم المجتمع بنخبها وكوادرها وأمانتها العامة، هذه الأمانة التي تزداد يوما بعد يوم، وهي مؤسسة معتبرة ذات استقلال مالي وإداري تُعنى بإحياء فريضة الزكاة وجمعها من مؤديها وصولا إلى مستحقيها، وهي مستقلة تماما عن أي جهة أو فصيل”.

إلا أن السؤال المهم الذي يدور في خلد كثير من أهالي المحرر كما يقول “أحمد” وهو من تجار مدينة الدانا “هل يحق لأي جهة أن تجمع الزكاة في ظل غياب إمام للمسلمين؟ وجهنا هذا السؤال لعدد من أهل العلم في المناطق المحررة، وجاء الرد كالتالي: “نصوص الفقهاء أكدت على قيام القضاء إن تعذر وجود الإمام، مع أن القضاء من أخص ولايات الإمام وخصائصه، وبالتالي فإن قيام جهة بفريضة جمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها لا مانع فيه”.
في ظل هذه الحرب التي يخوضها المجاهدون على الجبهات، كان سؤال العديد من أبناء المناطق التي تقصف هل تؤخذ الزكاة ونحن نعيش في أوضاع كهذه؟ كان رد القائمين على هيئة الزكاة “أن الزكاة التي تجمع هي خير معين لأبناء المناطق المقصوفة وخاصة النازحين منهم، وهب أنك تعرضت للقصف فهل تترك الصلاة مثلا، وهذا حال الزكاة”.

ويتساءل عدد من أهالي مدينة إدلب عن الجهة التي خولتها بجمع الزكاة، وهو ما أوضحه الأستاذ “عبد العزيز قائلا: “أخذت من أبناء المجتمع وأعيانه، كما أخذت الرخصة بتنظيم فريضة الزكاة من وزارة الأوقاف، وأيضا تتعاون الهيئة مع الجهات الرسمية كالمجالس المحلية، ووزارة الداخلية وغيرها، بغية إتمام وإنجاح العمل، وبأمل الوصول إلى كمالها”.

»هل الهيئة العامة للزكاة جهة مستقلة؟

يرى “خالد” وعدد من سكان حي الشيخ ثلث في مدينة إدلب أن استقلالية الهيئة العامة للزكاة هو شرط لنجاحها في أداء الفريضة، إلا أن أبا خالد شكك في استقلاليتها، معللًا تشكيكه بتسيير أحد الفصائل لرتل كبير بعد حادثة حرق مكتب الزكاة في بلدة كفرتخاريم بريف إدلب الشمالي، وأن أموال الزكاة تذهب بغالبيتها لجنود هيئة تحرير الشام وموظفي حكومة الإنقاذ.

وعند توجيه هذه الأسئلة للمسؤولين في الهيئة العامة للزكاة، أجاب مدير المكتب الإعلامي الأستاذ “محمد العبود” قائلا: “عندما نتحدث عن استقلال هيئة الزكاة فنعني بذلك الاستقلال المالي والإداري والتنظيمي، دون أي تبعية لفصيل أو حكومة من ناحية سياستها العامة”.

وأضاف “العبود”: “وأما ربط ما حصل في البلدة الطيبة كفرتخاريم باستقلالية الهيئة العامة للزكاة، فغير صحيح، وما حصل هو نتيجة تراكمات ومشاكل بين بعض المسيئين لأهل البلدة ووجهائها ومرافقها العامة مع الجهة القائمة على إدارة المنطقة، والتي ترجع جذورها لما قبل قيام الهيئة العامة للزكاة”.

وأشار العبود إلى أن هناك اتفاقا مكتوبا نشر على مواقع التواصل بين هيئة الزكاة ووجهاء البلدة للتعاون والتنسيق في إحياء هذه الفريضة، ولو كانت المشكلة في أداء الزكاة، لكان المنطق أن نضع حواجز على مداخل المنطقة تمنع دخول ثمر الزيتون وإحالته إلى أسواق أخرى، وبالتالي تنتهي المشكلة.
أما فيما يتعلق بذهاب غالبية أموال الزكاة لعناصر هيئة تحرير الشام والحكومة، فقد استعانت الهيئة بوجهاء وأعيان المناطق وشاركتهم في اختيار المستحقين، وأكد “أبو إسماعيل” وهو أحد وجهاء بلدة حزانو أن هذا الأمر غير صحيح، وأن الذين أخذوا الزكاة كانوا من الفقراء والمحتاجين.وقد نفى المسؤولون في هيئة الزكاة اختصاص عناصر أي فصيل دون غيرهم بالزكاة، وإنما كان التوزيع عامًا، مؤكدا أنهم لم يخصوا حكومة الإنقاذ بأي شيء من الزكاة.

»كيف توزع الزكاة؟

أما الحاج “أبو هاشم” من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي والنازح لبلدة أطمة بريف إدلب الشمالي فيقول: “لا أعرف كيف توزع الزكاة؟ وماهي الآلية التي اعتمدتها هيئة الزكاة لاختيار المستحقين؟ أو التأكد من وصول أموال الزكاة لهم”.

وهو ما أوضحه مسؤول في هيئة الزكاة، والذي قال: “تبنت الهيئة العامة للزكاة مصرفين من مصارف الزكاة، توزع الزكاة فيهما، وهما الفقراء والمساكين”، معللا اختيار هذين المصرفين فقط دون بقية المصارف بأن الوارد ما يزال ضعيفا جدا مقابل كثرة أعداد العوائل الفقيرة والمحتاجة، وخاصة في ظل الحرب.
وأكد القائمون على الهيئة العامة للزكاة أن لديهم نظاما صارما جدا في الصرفيات، لدرجة أنه من غير المسموح في النظام المالي صرف قيمة الشاي والقهوة والضيافة من أموال الزكاة، بل قام بعض التجار والجهات الرسمية بمساعدة هيئة الزكاة لسد هذا الغرض من خارج أموال الزكاة.

وشرح رئيس دائرة المستحقين الأستاذ “عبد العزيز” في حوار له مع مجموعة من الصحفيين آلية التوزيع التي اعتمدتها هيئة الزكاة حيث قال: “تجنبا للمحسوبية جعلنا لكل قرية لجنة زكاة، وهي مختارة من أهل القرية ووجهائها، حيث تختار اللجنة المستحقين للزكاة، ثم نرسل لجان تحقق لملء استمارة مستحق وأخذ الأوراق الثبوتية والسؤال عن الحالة للمستحق، وقد افترضنا أن كل عائلة مؤلفة من ٥ أفراد فإن الدخل المفروض لكفافها هو ٦٠ ألفا فما فوق وما دون ذلك فهي مستحقة”.

وأضاف: “ثم نرسل لجان التقييم والمراقبة للتأكد من دقة عمل لجنة التحقق، وبعدها يتم إدخال البيانات إلى برنامج مخصص لتحديد نسبة الاستحقاق وقدره ليصل لحد الكفاف ومدى أولويته، عندها يعطى المستحق المقبول دفعة أولى وقدرها ١٠ آلاف وأحيانا أكثر كمساعدة عاجلة، بعد ذلك تأتي الموازنة بحسب ما تم جمعه من كل المنطقة، ليصار إلى وضع برنامج مساعدات مالية يقابل المبلغ الذي تم جمعه من الدائرة”.

وأشار إلى وجود مرحلة لاحقة، وهي برنامج مساعدة ثابت لعدد من المستحقين المقبولين في برنامجهم، ومن هذه المساعدات الأشد فقرا، وبرنامج مكافحة التسول، وبرامج أخرى يجري دراستها في هذه الآونة وتعتمد على ثبات الموارد الزكوية لهيئة الزكاة”.

»جواز زكاة الزيتون وطريقة تحصيلها وتوزيعها..

بدأت في الآونة الأخيرة الهيئة العامة للزكاة بجمع زكاة زيت الزيتون، وهو ما أثار نقاشا حول وجود زكاة على هذه المادة من عدمها، حيث تساءل العم “حسن الحسين” من بلدة كفرناها بريف حلب الغربي عن ذلك معللا تساؤله بأن المذهب الشافعي قال بعدم وجود زكاة على زيت الزيتون.

وعند السؤال تحدث عدد من أهل العلم عن زكاة الزيتون بذهاب جمهور العلماء والقول الراجح بوجوب الزكاة على زيت الزيتون، وهو ما عليه أهل الشام.

وذكر عدد من المشايخ أن هذا وارد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وعن الثوري والأوزاعي وأبي ثور، وعند الحنفية والمالكية وعدد من الشافعية في القديم، وإحدى الروايتين عن أحمد.

أما “أبو حسان” من مدينة معرة مصرين شمال إدلب، فذكر أن الهيئة العامة للزكاة فرضت على كل من يحضر إلى معاصر الزيتون أن يدفع 5% زكاة زيته وإن لم يبلغ النصاب، معتبرا ذلك غير جائز شرعا، وقد أكد هذا عدد كبير من أهالي المحرر، ما دفعنا للتوجه بالسؤال للمسؤولين في الهيئة العامة للزكاة، عن صحة هذا وأسبابه؟

فأجاب المسؤول في الهيئة الأستاذ “عبد العزيز منصور”: “بداية لم نستخدم التخمين على محاصيل المزارعين، لأنها ذات كلفة عالية، وتحتاج إمكانيات وإحصائيات غير متوفرة في الوقت الراهن، فانتقلنا الى ضبط مصب ثمار الزيتون، وهي أسواق الهال والمعاصر المنتشرة وقمنا برفد كل معصرة بعضو لجنة مراقبة وجمع من الهيئة العامة للزكاة”.

وأضاف منصور: “كانت العشرة أيام الأولى، عبارة عن سؤال كل من يتقدم من أصحاب المحاصيل إلى المعاصر عن نصاب محصوله وكتابة تصريحه بشكل عفوي محاولة منا أن نكل المزارع إلى ظاهره وما يقول”.

وأوضح المسؤول في هيئة الزكاة أنهم تفاجؤوا بجمع كمية أقل بكثير من المتوقع، ما دفعهم للتحقق من المتقدمين ميدانيا، فوجدوا من المحال التحقق ميدانيا، حيث أن المتقدمين في المعاصر يتجاوزون الألف متقدم يوميا، بمعنى أن نسبة التحقق منهم ستكون مئة بالمئة، وبعد سؤالهم أهل الخبرة من أصحاب المعاصر عن نسبة المتقدمين ممن لا تبلغ محاصيلهم النصاب في السنة الماضية كان جوابهم أن نسبتهم لا تتعدى الخمسة بالمئة، وهذا ما دفع هيئة الزكاة للبحث عن طريقة مناسبة لجمع الزكاة ممن يحاولون عدم دفعها.
وبيّن الأستاذ “عبد العزيز” أنهم بعد سؤال المكتب الشرعي في هيئة الزكاة وبعض المشايخ المعروفين في المحرر، قرروا أخذ الزكاة من جميع المتقدمين وتكون الزكاة المقتطعة ممن لم تبلغ محاصيلهم النصاب بمثابة الحجز الاحتياطي بما لا يتجاوز الخمسة أيام بعد تقدمهم بطلب استرداد في نفس المعصرة يتضمن اسمه وعنوانه وهاتفه وعنوان عقاره وعدد أشجاره.

وبعد التحقق وسؤال جيرانه ومختار بلدته يتم إيصال الزيت المحتجز إلى منزله، وأكد الأستاذ “عبد العزيز” أن صفحتهم الإعلامية مليئة بنماذج عن تلك الطريقة، وأنه تم إرجاع نسبة لا بأس بها من الزيوت، كما نشرنا الفتوى المعتمدة لهذه الطريقة بشكل رسمي”.
قد يكون سبب الالتباس الذي حصل بشأن جمع الزكاة وخاصة زكاة الزيتون، هو ضعف التواصل بين الهيئة العامة للزكاة والشعب، وعدم اطلاعهم بشكل مفصل عن وجوب الزكاة في هذه الأوضاع، أيضا عدم وضع إجراءات مسبقة تنظم عملية الجمع وخاصة مسألة نصاب الزكاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى