200 ألف طن حاجة إدلب السنوية من القمح
أزمات الخبز:
عانى الشمال السوري المحرر من أزمات متلاحقة وارتفاعات بسعر الخبز سببها الإحجام عن زراعة القمح وتقلص الدعم الغذائي الدولي وسعى المحتل الروسي لإغلاق المعابر مع دول الجوار إضافة للازدياد العالمي بأسعار القمح خاصة إبان مشكلة كورونا والأزمة الأوكرانية.
زراعة القمح:
أهمية زراعة القمح:
ومن المعروف أن الخبز يشكل الغذاء الرئيس لسكان المنطقة، ويبدو أن الحل الأمثل لهذه الأزمات ياتي من زيادة الإنتاج المحلي من زراعة القمح ما يقلل التكاليف ويحد من الاعتماد على الاستيراد ويزيد القدرة على مواجهة الأزمات وتقلبات التوريد واحتمال إغلاق المعابر الحدودية، ولا ننسى أن زراعة القمح توفر فرص عمل كبيرة للأهالي مزارعين كانوا أو صناعيين. فهو سلعة حيوية لاستقرار المنطقة وتحقيق الأمن الغذائي.
تراجع زراعة القمح:
وشهدت زراعة القمح تراجعا ملحوظا في سورية فقد كان إنتاج القمح قبل الثورة في محافظة إدلب يتراوح ما بين 75 ألف طن و 250 ألف طن وتشير التقارير إلى أن إنتاج الحبوب في سوريا -وأهمها القمح- تراجع بنسبة 40% بين عامي 2005 و 2015، وفي إدلب وما حولها واستمر التراجع، ففي عام 2021 زُرع 9788 هكتار من القمح وكان الإنتاج 33500 طن، وسبب التراجع إجراءات النظام المجرم من الاعتقال إلى القصف إلى التهجير، انتهاء بالتخريب المستمر والمتعمد للبنى التحتية وحرق المحاصيل في المدن والأرياف السورية.
مخزونات القمح ومدى الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك :
ويشير مدير المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب الأستاذ “أحمد عبد الملك” إلى أن كميات استلام المؤسسة وحدها من المزارعين لمادة القمح كانت كما التالي:
عام 2018 استلمت المؤسسة 6722 طن
و عام 2019 استلمت المؤسسة 20100 طن
أما في عام 2020 استلمت المؤسسة 5170 طن
عام 2021 استلمت المؤسسة 7132 طن
و عام 2022 استلمت المؤسسة 26615 طن
بينما في عام 2023 استلمت المؤسسة 62856 طن
و عام 2024 استلمت المؤسسة 49138 طن
قفزة واضحة:
وتشير هذه الارقام إلى قفزة واضحة في زراعة القمح لعامي 2022 و2023 فقد زادت الكمية المستلمة من 7132 طن إلى 63000 طن وهما العامان اللذان استفاد فيهما عدد من المزارعين من (القرض العيني لزراعة القمح)، وهذا يعد تطورا ملحوظا نحو تقليص الفجوة.
حاجة المحرر من القمح:
يبقى الاستهلاك السنوي ثلاثة أضعاف هذه الكمية ما يستدعي سد النقص عبر الاستيراد، وذلك حسب الأستاذ “أحمد عبد الملك” الذي أفادنا بأن “المحرر يحتاج شهريا حوالي 17 ألف طن من القمح لإنتاج 14 ألف طنٍ طحينا”, هذا يعني أن الاستهلاك السنوي من القمح 204 ألف طن”.
القرض العيني لتشجيع زراعة القمح:
ولأن الأمن الغذائي يعد من أولويات الحكومة والقمح هو المادة الخام الأساسية التي تستخدم لصناعة الخبز أطلقت وزارة الزراعة والري مشروع القرض العيني لموسم العام 2021_2022 وهو مشروع يهدف لاستغلال جميع الأراضي الصالحة للزراعة وعدم تركها بورا وخاصة الأراضي التي قد لا يملك أصحابها تكاليف زراعتها.
تفاصيل المشروع:
يقوم المشروع على إقراض المزارعين مستلزمات زراعة القمح من بذار وأسمدة إضافة للوقود المستخدم في أعمال الري عند توفر الآبار للقمح المروي، ثم استيفاء القيمة بعد الحصاد، وعن هذا يقول المزارع “خالد فلاحة” إن الهدف من حصوله على القرض هو الحصول على البذار والسماد بنفس سعر السوق ولكن دفع تكاليف الزراعة يكون بعد الحصاد وهو أمر يساعد المزارع على زراعة أرضه ويزيد من الربح، مشيرا إلى أن البديل هو اقتراض البذار والسماد من التجار بسعر أعلى.
خدمات إرشادية وتفقد النباتات:
كما يشمل المشروع تقديم المتابعة الحثيثة للمحصول من قبل مديريات وزارة الزراعة ودوائرها لتقصي مراحل النمو والآفات الزراعية وتقديم الإرشادات الزراعية بخصوص مكافحتها والنصائح للأعمال الزراعية لنجاح المحصول وزيادة المردود من زراعة القمح إذ إن الوزارة تقدم أفضل أصناف البذار المحسنة والمجربة والمعقمة، وعن ذلك يخبرنا المزارع “عبد الجبار الحمادة”: “مرت مرحلة من الزمن كنا نشتري بذارا غير مضمونة وتحوي نسبة خلط كبيرة، أما الآن بات هناك مصدر موثوق من بذار القمح بصنفيه القاسي والطري وكلا النوعين ينقسمان إلى أنواع عدة مثل (شام1 وشام2 ودوما وبحوث …وجميعها أثبتت فعاليتها في مقاومة الأمراض والمردود الممتاز)
مراحل المشروع:
يتكون مشروع القرض العيني لزراعة القمح من ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى:
تبدأ المرحلة الأولى في الشهر العاشر إذ تعلن وزارة الزراعة عن إطلاق المشروع وتُبيِّن الوثائق المطلوبة والشروط الواجب توفرها للاشتراك في المشروع وتسجيل المزارعين، وفي شهر تشرين الثاني يجرب توزيع البذار على المستفيدين بكميات تتناسب مع مساحة الأرض التي يمتلكونها.
المرحلة الثانية:
تبدأ في الشهر الأول من العام التالي مع توزيع السماد الكيميائي الآزوتي وهو سماد ضروري للارض أثناء زراعة القمح في هذه المرحلة.
المرحلة الثالثة:
تاتي من خلال الجولات التي تجرى في الشهر الثاني عشر وأيضا في الشهر الثالث للتقصي عن الأمراض والحشرات الضارة مثل صدأ القمح وحشرة النطاط والسونة.. وإعطاء المكافحة في الشهر الرابع إذا دعت الحاجة.
نتائج وأرقام:
حقق مشروع القرض العيني الذي يشجع على زراعة القمح نجاحا مميزا من النسخة الأولى لموسم 2021- 2022 حيث زرعت مساحة 29966 هكتارا ضمن المشروع واشترك في المشروع 2800 مستفيدا، وتم زراعة مساحة تقدر ب 29800 هكتار بكمية بذار 7688 طن ومثلها من السماد كما تم توزيع 113 ألف لتر من المحروقات ليصل الإنتاج إلى 99000 طن وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف إنتاج الموسم السابق.
وفي الموسم التالي 2022_2023 انخفض عدد المشتركين بحكم الدورة الزراعية فقد جرى توزيع 2249 طن من بذار القمح ومثلها سماد و171 ألف لتر محروقات على 2805 مستفيدا وبمساحة 8996 هكتار، أما الإنتاج النهائي لذلك الموسم فقدر ب 33000 طن
اما موسم 2023- 2024 كان عدد المزارعين المشتركين 770 مستفيدا و5500 هكتار مع توزيع 1216طن من البذار ونفس الكمية من الأسمدة و34 ألف لتر محروقات والإنتاج 20 ألف طن
ويؤكد مدير مشروع القرض العيني لزراعة القمح المهندس “أحمد الكوان” بأن إقبال المزارعين على المشروع بلغ حدا مقبولا بمجموع 5331 مستفيدا خلال المواسم الثلاثة الماضية.
هل يمكن الاستغناء عن استيراد القمح والدقيق.
يقول الاستاذ “عبد الملك”: “لا يمكن الاستغناء عن استيراد الطحين لأن الاستهلاك في المناطق المحررة لا يتناسب ومساحة الأراضي الزراعية من جهة ومن جهة أخرى يدخل الطحين في صناعات غير الخبز كالحلويات والمعجنات وغيرها لكن المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب تعمل على تقليل استيراد الطحين واستبداله بالطحين المحلي ذي القيمة الغذائية العالية، ولتوفير فرص عمل أكبر والاستفادة من حبة القمح كاملة”.
ويتفق مع هذا الرأي مدير مشروع القرض العيني المهندس “أحمد الكوان” الذي يشدد على صعوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي ويضيف بأن الإنتاج يتم استخدامه في الأزمات وهذا بحد ذاته عمل مهم كونه يؤمن احتياج الأهالي في الأزمات والكوارث.
تعميم التجربة:
يعد مشروع القرض العيني الحسن لتشجيع زراعة القمح نواة عمل واعدة وتجري الدراسات بشكل سنوي لتطوير التجربة وتعميمها على محاصيل أخرى وخاصة المحاصيل التي تعد مواد خام للصناعات الغذائية والنسيجية والعلفية، مثل المحاصيل الزيتية (القطن ودوار الشمس والذرة الصفراء) للوصول إلى زيادة فرص العمل الزراعي واستثمار كل شبر من الأراضي الصالحة للزراعة.